فصل: غزوة أحد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


 غزوة بني قينقاع مع اليهود

وهم أول يهود نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد فخرج إِليهم في منتصف شوال سنة اثنتين فتحصنوا فحاصرهم خمس عشرة ليلة ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتفوا وهو يريد قتلهم فكلمه عبد الله بن أبي بن أبي سلول الخزرجي المنافق وكان هؤلاء اليهود خلفاء الخزرج فأعرض النبي عنه فأعاد السؤال فأعرض عنه فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا رسول الله أحسن‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏ويحك أرسلني‏)‏ فقال لا والله حتى تحسن‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏هم لك‏)‏ ثم أمر بإِجلائهم وغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون جميع أموالهم‏.‏

ثم كانت غزوة السويق وكان من أمرها أن أبا سفيان حلف أن لا يمس الطيب والنساء حتى يغزو محمد صلى الله عليه وسلم بسبب قتلى بدر فخرج في مائتي راكب وبعث قدامه رجال إِلى المدينة فوصلوا إِلى العريض وقتلوا رجالاً من الأنصار فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ركب في طلبه وهرب أبو سفيان وأصحابه وجعلوا يلقونْ جرب سويق تخفيفاٌ فسميت لذلك غزوة السويق‏.‏

  غزوة قرترة الكدر

وقيل كانت سنة ثلاث وقرقرة الكدر ماء مما يلي جادة العراق إِلى مكة وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بهذا المرضع جمعاً من سليم وغطفان فخرج لقتالهم فلم يجد أحداً فاستاق ما وجد من النعم ثم قدم المدينة‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه‏.‏

وفي هذه السنة تزوج علي بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها كانت الوقعة بذي قار بين بكر بن وائل وبين جيش كسرى برويز وعليه الهامرز واقتتلوا قتالاً شديداً وانهزمت الفرس ومن كان معهم من العرب وقتل الهامرز‏.‏

وفيها هلك أمية بن أبي الصلت واسم أبي الصلت عبد الله ابن ربيعة وكان أميةْ المذكور من رؤساء الكفار وكان قد قرأ في الكتب واطلع على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فكفر به حسداً وكان يرتجي أن يكون هو المبعوث وكان أمية قد سافر إلى الشام وعاد إِلى الحجاز عقب وقعة بدر ولما مر بالقليب قيل له أن فيه قتلى بدر ومنهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وهما ابنا خال أمية المذكور فجدع أذني ناقته ووقف على القليب وقال قصيدة طويلة منها‏:‏

ألا بكيتَ على الكرا ** م بني الكرامِ أولى الممادح

فبكا الحمام على فرو ** ع الأيك في الغصن الجوانح

يبكين حزني مستكي ** نات يرحن مع الروايح

أمثالهن الباكيا ** تُ المعولات من النوايح

ماذا ببدرٍ والعتن ** قل من مرازبة حجاجح

شمطٌ وشبانٌ بها ** ليل مغاوير وحاوح

ثم دخلت سنة ثلاث وفيها في رمضان ولد الحسن بن علي‏.‏

وفيها قتل كعب بن الأشرف اليهودي قتله محمد بن مسلمة الأنصاري‏.‏

  غزوة أحد

وكان من حديثها أنه اجتمعت قريش في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومعهم مائتا فرس وقائدهم أبو سفيان بن حرب ومعه زوجته هند بنت عتبة‏:‏ وكان جملة النساء خمس عشرة امرأة ومعهن الدفوف يضربن بها ويبكين على قتلى بدر ويحرضن المشركين على حرب المسلمين‏.‏

وساروا من مكة حتى نزلوا ذا الحليفة مقابل المدينة وكان وصولهم يوم الأربعاء لأربع ليال مضين من شوال سنة ثلاث وكان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم المقام في المدينة وقتالهم بها وكذلك رأي عبد الله بن أبي بن أبي سلول المنافق وكان رأي باقي الصحابة الخروج لقتالهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ألف من الصحابة إِلى أن صار بين المدينة وأحد فانخزل عنه عبد الله بن أبي بن أبي سلول في ثلث الناس وقال‏:‏ أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا هاهنا ورجع بمن تبعه من أهل النفاق ونزل رسول الله كلَ الشعب من أحد وجعل ظهره إِلى أُحد ثم كانت الوقعة يوم السبت لسبع مضين من شوال وعدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة فيهم مائة دارع ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مصعب بن عمير من بني عبد الدار وكان على ميمنة المشركين خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ولواؤهم مع بني عبد الدار وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة وهم خمسون رجلاً وراءه ولما التقى الناس وعنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان في النسوة اللاتي معها وضربن بالدفوف خلف الرجال وهند تقول‏:‏ وبها بني عبد الدار وبها حماة الأدبار ضرباً بكل بتار وقاتل حمزة عم النبي عليه السلام قتالاً شديداً يومئذ فقتل أرطأة حامل لواء المشركين ومر به سباع بن عبد العزى وكانت أمه ختانة بمكة فقال له حمزة هلم يا ابن مقطعة البظور وضربه فكأنما أخطأ رأسه فبينما هو مشتغل بسباع إِذ ضربه وحشي عبد جبير بن مطعم وكان وحشي حبشياً بحربة فقتل حمزة وقتل ابن قمية الليثي مصعب بن عمير حامل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقريش‏:‏ إِني قتلت محمداً ولما قتل مصعب بن عمير أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الراية لعلي بن أبي طالب‏.‏

وانهزمت المشركون فطمعت الرماة في الغنيمة وفارقوا المكان الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بملازمته فأتى خالد بن الوليد مع خيل المشركين من خلف المسلمين ووقع الصراخ أن محمداً قتل وانكشفت المسلمون وأصاب فيهم العدو وكان يوم بلاء على المسلمين وكانت عدة الشهداء من المسلمين سبعين رجلاً وعدة قتلى المشركين اثنين وعشرين رجلاً ووصل العدو إِلى رسول الله عليه السلام وأصابته حجارتهم حتى وقع وأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان الذي أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص وجعل الدم يسيل على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول‏:‏ كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إِلى ربهم فنزل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإِنهم ظالمون‏)‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 128‏)‏ ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشجة ونزع أبو عبيدة بن الجراح إِحدى الحلقتين من وجهه صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته الواحدة ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان أبو عبيدة ساقط الثنيتين ومص سنان أبو سعيد الخدري الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من مس دمي دمه لم تصبه النار ‏)‏‏.‏

وروى أن طلحة أصابته يومئذ ضربة فشلت يده وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظاهر بين درعين ومثلت هند وصواحبها بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجدعن الآذان والأنوف واتخذن منها قلائد وبقرت هند عن كبد حمزة ولاكتها ولم تسغها وضرب أبو سفيان زوجها بزج الرمح شدق حمزة وصعد الجبل وصرخ بأعلى صوته‏:‏ الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل أي ظهر دينك ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى إِنَّ موعدكم بدراً العام القابل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لواحد قل‏:‏ ‏(‏هو بيننا وبينكم ‏)‏‏.‏

ثم سار المشركون إِلى مكة ثم التمس رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه وجدع أنفه وأذناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين منهم ‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏جاءني جبرائيل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله‏)‏ ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجى ببرده ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون إِلى حمزة فيصلي عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة وهذا دليل لأبي حنيفة فإنه يرى الصلاة على الشهيد خلافاً للشافعي رحمهما الله تعالى ثم أمر بحمزة فدفن واحتمل ناس من المسلمين قتلاهم إِلى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال‏:‏

ثم دخلت سنة أربع فيها في صفر قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم من عضل والقارة وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث معهم من يفقه قومهم في الدين فبعث معهم ستة نفر وهم‏:‏ ثابت بن أبي الأقلح وخبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن البكير الليثي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق وقدم عليهم مرثد بن أبي مرثد‏.‏

فلما وصلوا إِلى الرجيع وهو ماء لهذيل على أربعة عشر ميلاً من عسفان غدروا بهم فقاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل ثلاثة وأسر ثلاثة وهم زيد بن الدثنة وخبيب وعبد الله بن طارق فأخذوهم إِلى مكة وانفلت عبد الله بن طارق في الطريق فقاتل إِلى أن قتلوه بالحجارة ووصلوا بزيد بن الدثنة وخبيب إِلى مكة وباعوهما من قريش فقتلوهما صبراً‏.‏

وفي صفر سنة أربع أيضاً قدم أبو برا عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم ولم يبعد من الإسلام وقال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو بعثت من أصحابك رجالاً إِلى أهل نجد يدعونهم رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أخاف على أصحابي‏)‏ فقال أبو برا‏:‏ أنا لهم جار‏.‏

فبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمر الأنصاري في أربعين رجلا من خيار المسلمين فيهم عامر بن فهير مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فمضوا ونزلوا بئر معونة على أربع مراحل من المدينة وبعثوا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى عدو الله عامر بن الطفيل فقتل الذي أحضر الكتاب وجمع الجموع وقصد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقاتلوا وقُتلوا عن آخرهم إِلا كعب بن زيد فإنه بقي فيه رمق وتوارى بين القتلى ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم واستشهد يوم الخندق وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار فرأيا الطيور تحوم حول العسكر فقصدا العسكر فوجدا القوم مقتولين فقاتل الأنصاري وقتل وأما عمرو بن أمية فأخذا أسيراً وأعتقه عامر ابن الطفيل لكونه من مضر ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر فشق عليه‏.‏

  غزوة بني النضير من اليهود

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليهم وحاصرهم في ربيع الأول سنة أربع‏.‏

ونزل تحريم الخمر وهو محاصر لهم فلما مضى ست ليال محاصراً لهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُخْليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إِلا السلاح فأجابهم إِلى ذلك فخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير مظهرين بذلك تجلداً وكانت أموالهم فيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها حيث شاء فقسمها على المهاجرين دون الأنصار إِلا أنّ سهل بن حنيفة وأبا دجانة ذكراً فقراً فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيئاً ومضى إِلى خيبر من بني النضير ناس وإلى الشام ناس‏.‏

  غزوة ذات الرقاع

ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم نجداً فلقي جمعاً من غطفان في ذات الرقاع وسميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وكان ذلك في جمادى الأولى سنة أربع وفي هذه الغزوة قال رجل من غطفان لقومه‏:‏ ألا أقتل لكم محمداً قالوا‏:‏ إلى وحضر إِلى عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا محمد أريد أنظر إِلى سيفك هذا وكان محّلى بفضة فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إِليه فأخذه واستله ثم جعل يهزه ويهم ويكبته الله ثم قال يا محمد‏:‏ ما تخافني فقال له‏:‏ لا أخاف منك ثم رد سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليه فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إِذ هم قوم أن يبسطوا إِليكم أيديهم فكيف أيديهم عنكم‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 11 ‏)‏‏.‏

  غزوة بدر الثانية

وفي شعبان سنة أربع خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لميعاد أبي سفيان وأتى بدراً وأقام ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان من مكة ثم رجع من أثناء الطريق إِلى مكة فلما لم يأت انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة وفي هذه السنة ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما‏.‏

ثم دخلت سنة خمس‏.‏

  غزوة الخندق

وهي غزوة الأحزاب وكانت في شوال من هذه السنة وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تحزب قبائل العرب فأمر بحفر الخندق حول المدينة قيل‏:‏ إِنه كان بإِشارة سلمان الفارسي وهو أول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت للنبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق عدة معجزات‏.‏

منها‏:‏ ما رواه جابر قال‏:‏ اشتدت عليهم كدية أي صخرة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بماء وتفل فيه ونضحه عليها فانهالت تحت المساحي ومنها أن ابنة بشير بن سعد الأنصاري وهي أخت النعمان بن بشير بعثتها أمها بقليل تمر غذاء أبيها بشير وخالها عبد الله بن رواحة فمرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاها وقال‏:‏ ‏(‏هاتي ما معك يا بنية‏)‏ قالت‏:‏ فصببت ذلك التمر في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما امتلأتا ثم دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بثوب وبدد ذلك التمر عليه ثم قال لإِنسان‏:‏ اصرخ في أهل الخندق أنْ هلموا إِلى الغداء فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط ومنها ما رواه جابر قال‏:‏ كانت عندي شويهة غير سمينة فأمرت امرأتي أن تخبز قرص شعير وأن تشوي تلك الشاة لرسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وكنا نعمل في الخندق نهاراً وننصرف إذا أمسينا فلما انصرفنا من الخندق قلت‏:‏ يا رسول الله صنعت لك شويهة ومعها شيئاً من خبز الشعير وأنا أحب أن تنصرف إِلى منزلي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يصرخ في الناس أن انصرفوا مع رسول صلى الله عليه وسلم إِلى بيت جابر قال جابر‏:‏ فقلت إِنّا لله وإنّا إِليه راجعون وكان قصده أن يمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه وقدّمنا له ذلك فبرك وسمى ثم أكل وتواردها الناس كلما صدر عنها قوم جاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها‏.‏

وروى سلمان الفارسي قال‏:‏ كنت قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعمل في الخندق فتغلظ علي الموضع الذي كنت أعمل فيه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة المكان أخذ المعول وضرب ضربة فلمعت تحت المعول برقة ثم ضرب أخرى فلمعت برقة أخرى ثم ضرب أخرى فلمعت برقة أخرى قال‏:‏ فقلت بأبي أنت وأمي ما هذا الذي يلمع تحت المعول فقال‏:‏ ‏(‏أرأيت ذلك يا سلمان فقلت‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن وأما الثانية‏:‏ فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة‏:‏ فإن الله فتح علي بها المشرق‏)‏ وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وأقبلت قريش في أحابيشها ومن تبعها من كنانة في عشرة آلاف وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد وكان بنو قريظة وكبيرهم كعب بن أسد قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم فما زال عليهم أصحابهم من اليهود حتى نقضوا العهد وصاروا مع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم عند ذلك الخطب واشتد البلاء حتى ظن المؤمنون كل الظن ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير‏:‏ كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وأقام المشركون بضعاً وعشرين ليلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقابلهم وليس بينهم قتال غير المراماة بالنبل ثم خرج عمرو بن عبد ود من ولد لؤي بن غالب يريد المبارزة فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له عمرو‏:‏ يا ابن أخي والله ما أحب أن أقتلك‏.‏

فقال علي‏:‏ لكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه فعقره وأقبل إلى علي وتجاولا وعلا عليهما الغبرة وسمع المسلمون التكبير فعلموا أن علياً قتله وانكشفت الغبرة وعلي على صدر عمرو يذبحه ثم إن الله تعالى أهب ريح الصبا كما قال الله عزّ وجل‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها‏)‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏9) ‏وكان ذلك في أيام شاتية‏.‏

فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم ورمى الله الاختلاف بينهم فرحلت قريش مع أبي سفيان وسمعت غطفان ما فعلت قريش فرحلوا راجعين إلى بلادهم‏.‏

  غزوة بني قريظة

ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة ووضع المسلمون السلاح فلما كان الظهر أتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي‏:‏ من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلي العصر إلا ببني قريظة وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إلى بني قريظة ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بئر من آبارهم وتلاحق الناس وأتى قوم بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل أحد العصر إلا ببني قريظة فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك وحاصر بني قريظة خمساً وعشرين ليلة وقذف الله في قلوبهم الرعب ولما اشتد بهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا حلفاء الأوس فسأل الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاقهم كما أطلق بني قينقاع حلفاء الخزرج بسؤال عبد الله بن أبي بن أبي سلول المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألا ترضون أن يحكم فيهم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس ‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ إلى ظناً منهم أن يحكم بإطلاقهم فأمر بإحضار سعد وكان به جرح في أكحله من الخندق فحملت الأوس سعداً على حمار قد وطأوا له عليه بوسادة وكان رجلاً جسيماً ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون لسعد‏:‏ يا أبا عمرو أحسن إلى مواليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قوموا إلى سيدكم‏.‏

والمهاجرون يقولون‏:‏ إنما أراد صلى الله عليه وسلم الأنصار والأنصار يقولون‏:‏ قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فقاموا إليه وقالوا‏:‏ يا أبا عمرو إن رسول الله قد حكمك في مواليك‏.‏

فقال سعد‏:‏ أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة‏)‏ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وحبس بني قريظة في بعض دور الأنصار وأمر فحفر لهم خنادق ثم بعث بهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق وكانوا سبعمائة رجل يزيدون أو ينقصون عنها قليلاً‏.‏

ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني قريظة فأخرج الخمس واصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو فكانت في ملكه حتى ماتت ولما انقضى أمر بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فمات رضي الله عنه وجميع من استشهد من المسلمين في حرب الخندق ستة نفر منهم سعد بن معاذ ما بعد حرب بني قريظة على ما وصفناه وكان سعد بن معاذ لما جرح على الخندق قد سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يغزو بني قريظة لغدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فاندمل جرحه حتى فرغ من غزو بني قريظة كما سأل الله تعالى ثم انتقض جرحه ومات رحمه الله تعالى وفي حرب بني قريظة لم يستشهد غير رجل واحد وكانت غزوة بني قريظة في ذي القعدة سنة خمس وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى خرجت السنة‏.‏

ثم دخلت سنة ستة فيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى إلى بني لحيان طلباً بثأر أهل الرجيع فتحصنوا برؤوس الجبال فنزل عسفان تخويفاً لأهل مكة ثم رجع إلى المدينة‏.‏

  غزوة ذي قرد

ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أياماً فأغار عيينة بن حصين الفزاري على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بالغابة فخرج رسول الله يوم الأربعاء حتى وصل إلى ذي قرد لأربع خلون من ربيع الأول فاستنقذ بعضها وعاد إلى المدينة وكانت غيبته غزوة بني المصطلق وكانت في شعبان من هذه السنة أعني سنة ست وقيل سنة خمس وكان قائد بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار ولقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماء لهم يقال له المريسيع واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق فقتل وسبى وغنم الأموال ووقعت جويرة بنت قائدهم الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس فكاتبته على نفسها فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها فقال الناس‏:‏ أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق بتزوجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فكانت عظيمة البركة على قومها وفي هذه الغزوة قتل رجل من الأنصار رجلاً من المسلمين خطأ يظنه كافراً وكان المقتول من بني ليث بن بكر واسمه هشام وكان أخوه مقيس مشركاً فلما بلغه قتل أخيه خطأ قدم من مكة مظهراً الإسلام وأنه يطلب دية أخيه فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم رجع إلى مكة مرتداً وقال من أبيات لعنه الله‏:‏ حللت به وترى وأدركت ثورتي وكنت إلى الأوثان أول راجع وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة وفي هذه الغزوة ازدحم جهجاه الغفاري أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسنان الجهني حليف الأنصار على الماء وتقاتلا فصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين وصرخ الجهني‏:‏ يا معشر الأنصار فغضب عبد الله بن أُبي بن أبي سلول المنافق وعنده رهط من قومه فيه زيد بن أرقم فقال عبد الله المنافق‏:‏ لقد فعلوها قد كاثرونا في بلادنا أما والله لئن رجعنا إلى المدينة لنخرجن الأعز منها الأذل ثم قال لمن حضر من قومه‏:‏ هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم ولو مسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا عنكم فأخبر زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله‏:‏ مر به عبد الله بن بشير فليقتله فقالي النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف يتحدث الناس إذن أن محمداً يقتل أصحابه ثم أمر بالرحيل في وقت لم يكن ليرحل فيه ليقطع ما الناس فيه فلقيه أسيد بن حصين وقال‏:‏ يا رسول الله رحت في ساعة لم تكن لتروح فيها فقال‏:‏ أوما بلغك ما قاله عبد الله بن أبي فقال‏:‏ وماذا قال‏:‏ فأخبره رسول الله بمقاله‏.‏

فقال أسيد‏:‏ أنت والله تخرجه إن شئت أنت العزيز وهو الذليل وبلغ ابن عبد الله المنافق واسمه أيضاً عبد الله وكان حسن الإسلام مقال أبيه فقال يا رسول الله‏:‏ بلغني أنك تريد قتل أبي فإن كنت فاعلاً فمرني فأنا أحمل إليك رأسه قصة الإفك ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة وكان ببعض الطريق قال أهل الإفك ما قالوا‏:‏ وهم مسطح بن إثاثة بن عباد بن عبد المطلب وهو ابن خالة أبي بكر وحسان بن ثابت وعبد الله بن أبي بن أبي سلول الخزرجي المنافق وأم حسنة ابنة جحش فرموا عائشة بالإفك مع صفوان بن المعطل وكان صاحب الناقة فلما نزلت براءتها جلدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين ثمانين إلا عبد الله بن أبي فإنه لم يجلده‏.‏

من الأشراف للمسعودي وفي هذه الغزوة أعني غزوة بني المصطلق نزلت آية التيمم‏.‏